المدونة
استراتيجية البراند الشخصي

اهرب من الزحام

أذكر اللحظة التي كتبتُ فيها قائمة طويلة من المهارات الإبداعية التي أودُّ إتقانها، كنت مهووسًا بتعلم كل شيء تقريبًا.. كل عمل أثار انتباهي حينها أضفتُه إلى قائمة تعلمي.. وبعد عامين من تلك اللحظة، اكتشفتُ الحقيقة وأُصبتُ بإحباطٍ شديد وتمنيتُ لو أرشدني أحدهم في بداية الرحلة.. الآن سأقدم لك خلاصة التجربة، وأشاركك أهم الأفكار التي تعلمتها لتساعدك على النمو والتميز في المجال الإبداعي.
لنبدأ بالفكرة البديهية..

لا يمكنك تعلم كل شيء!

في كتاب The One Thing يشجعنا المؤلفان للالتفات إلى حقيقة بسيطة ولكننا بطريقة ما نتجاهلها، وهي أن مواردنا الفردية الوقت والجهد والمال محدودة جدًا.. فلا يمكننا فعل كل شيء نريده، ولذلك يجب أن نركز على الشيء الأكثر أهمية والذي يعود علينا بالنتائج التي نريدها.. قد تسأل الآن، كيف نعرف الشيء الأكثر أهمية؟ إليك سؤال التركيز الذي يطرحه الكتاب.. اسأل نفسك: ما هو الشيء الوحيد الذي يمكنني القيام به، بحيث إذا قمتُ به تصبح كل الأمور الأخرى إما سهلة أو غير ضرورية؟
هذه طريقة التفكير التي تساعدنا على النمو بشكل حقيقي، ليست كل الأشياء مهمة، 20% من الجهد يمكنه أن يولِّد 80% من النتائج بحسب مبدأ باريتو، ما يعني أن تركيزك على تعلم مهارتين فقط يمكنه أن يصنع لك النتائج التي تنتظرها من تعلم عشر مهارات.. الكمُّ ليس مهمًا، المهم هو إدراك الأولويات، واختيار الأولوية الأولى للتركيز عليها، بمجرد فهم هذا المبدأ سنعمل بذكاء أكثر.
في الماضي، كان هناك الخوارزمي عالم فذ في الرياضيات والفلك والجغرافيا، لكن الآن هذا أقرب للمستحيل، العلوم والمعارف تشعبت وأصبحت أكثر عمقًا وأسرع تطورًا، حتى من يقررون الجمع بين عدة مجالات، فهم يركزون على هدف واضح يقودهم خلال الرحلة.. لإنهم إن لم يفعلوا ذلك ستبتلعهم المعرفة التي لا حدَّ لها.. لذلك مرة أخرى أذكرك بالتركيز.
قد تتساءل، كيف أقاوم متعة الاكتشاف، وكيف أمنع نفسي من كل شيء وألتزم بشيء واحد، هل الأمر يستحق؟ أشعر بك، لكني لن أجيبك الآن.. لنركز على هدف المقال، وأشاركك الفكرة التالية.. كيف تغير فهمي عن التخصص؟

ماذا يعني التخصص للمبدع المستقل؟

إذا خطر على بالك في هذه اللحظة، كلمات مثل: الجامعة، الشهادات، المسار المهني أو الدراسي، اطردها تماما، ليس هذا ما سنتحدث عنه.
هنا سأشاركك ما تعلمته في التمركز للمبدعين المستقلين، من Anneli Hansson وهي مستشارة ومدربة في استراتيجية العلامة التجارية وتساعد المبدعين على التفكير بشكل استراتيجي.
التخصص بالنسبة لنا، إجابة سؤالين:
ما هي المشكلات التي سنحلها؟ ولمن؟
لنتخيل أن سوق الأعمال الإبداعية دائرة كبيرة، كل ما ستفعله اختيار القطعة التي تفضلها من هذه الدائرة لتركز عليها ولتكون الأبرز فيها، هذه القطعة التي تفضلها، هي جزء محدود من السوق تركز عليه، أي أنك تختار مشكلات معينة يعاني منها أشخاص أو جهات محددة، وتريد أن تكون أفضل من يساعدهم فيها.. جميل؟
القطعة التي ستختارها يجب أن يتوفر بها شرطين:
  1. أن تكون كبيرة بما يكفي لتتمكن من دعم عملك ماليًا.
  2. وصغيرة بما يكفي لتتمكن من الظهور على رادار عملائك المثاليين، ربما في غضون شهرين فقط.
سنفهم الفكرة أكثر مع توضيح أنواع التخصص..

أنواع التخصص: عمودي وأفقي

T Shape
T Shape
أولا: التخصص العمودي
هنا التركيز على قطاع محدد (سوق أو صناعة معينة).. مع تقديم مجموعة خدمات.
أمثلة:
مصمم جرافيك متخصص ― في قطاع الرياضة.
مصور فيديو متخصص ― في مجال الطعام.
مسوق رقمي متخصص ― في مجال العقارات.
جميعهم يركزون عموديًا على قطاع معين، ولكن في ذات الوقت يمكنهم تقديم عدة خدمات أخرى يتقنونها بالقدر الذي يناسب سوقهم. مثلا مصمم الجرافيك يمكنه أن يقدم عدة خدمات في التصميم: الهوية البصرية، المواقع الإلكترونية، تصميم محتوى المنصات.. ولكن لقطاع واحد.
ثانيًا: التخصص الأفقي
هنا التركيز على تقديم شيء ما محدد، لمجموعة متنوعة من الأشخاص ذوي الاحتياجات المماثلة، ولكن في صناعات مختلفة.
أمثلة:
مصمم هوية العلامة للشركات الناشئة
مصور البورتريه للرؤساء التنفيذين
مبتكر إعلانات التلفزيون
جميعهم يمكنهم العمل لأي قطاع.
بالمناسبة، ليس التحدي أن تدرك الفرق بين النوعين، بل أن تجد القطعة التي تود التركيز عليها وتحقق لك الشرطين، لذا يمكنك أيضًا الجمع بين المحورين العمودي والأفقي لاكتشاف تخصصك.
مثلا: مصمم الجرافيك المتخصص في قطاع الرياضة الذي ذكرناه، يمكنه أن يكون مصمم المواقع الإلكترونية لأندية كرة القدم، وهكذا.. يمكنك أن تكون ما تريد.
وما شرحته لك الآن، يدعى في التسويق “Niching”.
لتحديد نقطة التركيز واكتشاف ما قد تختاره، يمكن أن يساعدك مفهوم إيكيجاي Ikigai، وفكرته أن تجد تركيزك في النقطة المشتركة بين 4 أمور:
  1. ما تتقنه وما يمكنك أن تجيده
  2. ما تحبه وتستمتع به
  3. ما يحتاجه الناس والعالم
  4. ما الناس على استعداد لدفع ثمنه
Ikigai
Ikigai
من تجربتي، أودُّ أن أضيف عليهم شيئًا خامسًا، مؤثر جدًا وقد يكون حاسمًا في كثير من الأوقات، لإني حينما فكرتُ بنفس منطق المفهوم، وصلتُ إلى عدة خيارات، جميعها مناسبة ويمكنني أن ألتزم بها، لكن ما حسم قراري، هو القيم التي أومِن بها، والتي تحركني وتدفعني إلى أي شيء في الحياة.. هناك من يحتاج أن يشعر أنه حُر، وهناك من يحتاج الشعور بالأهمية، وآخر يحتاج البساطة والراحة وهكذا..
الملاحظة الأخرى، هذا النموذج مفيد في طريقة التفكير، ولا أراه مناسبًا لمن لم يجرب شيئًا بعد، وقد يكون مثاليًا، لمن عرف فكرته في وقت مبكر دون أن يقع تحت ضغط قرار الاختيار، ويمضي سنتين أو أكثر يكتشف ويجرب، ثم يختار شيئًا واحدًا يركز عليه..
سأكتب عنه بالتفصيل، في مقال آخر.
هذه الطريقة هي مجرد البداية لتصبح معروفًا بشيء واحد يحتاجه الناس، حينها تحمي نفسك من شراسة المنافسة وتتحول من متلقي أوامر ومقدم خدمة عام إلى مختص يحل المشكلات ويقدم الخبرات.. وهذا يغير كل شيء.