حلم الكتابة من اليمين إلى اليسار في العالم الرقمي

الملاحظة المزعجة وراء التطور الرقمي الذي لا حد له

حلم الكتابة من اليمين إلى اليسار في العالم الرقمي

لا أستطيع أن أخفي انزعاجي مع كل أداة رقمية أكتشفها، وتبهرني فكرتها، ومدى الإتقان في بنائها جماليًا ووظيفيًا، ولكنها لا تضع أدنى اعتبار لمستخدمي اللغة العربية، واللغات الأخرى التي تعتمد على الكتابة من اليمين إلى اليسار، كالعبرية والفارسية..

أنا مثلًا، أرتب حياتي كلها تقريبًا عبر تطبيق نوشن Notion، اختراع عبقري، يمكنك أن ترتب وتدير حياتك من مكان واحد، إذا لم تكن تعرفه، ولكن العيب الذي لا يمكن التغاضي عنه، أنه لا يدعم الكتابة من اليمين إلى اليسار رغم طلب العديد من المستخدمين، ودعمه لأكثر من 10 لغات أخرى غير الإنجليزية..

مع كل مرة أستخدمه، أتمنى وجود هذه الميزة، أو على الأقل أتخلص من الانزعاج الدائم من شكل النص وعلامات الترقيم التي تقفز إلى أول كل سطر والأرقام التي تتبعثر معها، أحيانًا أتساءل هل أنا مهووس، أم أنه شيء لا يطاق أبدًا..

حينما قررت بناء مدونتي الشخصية، وصلت إلى خيارات محدودة جدًا، من عشرات البدائل التي تمكنك من بناء المواقع بدون كتابة أي أكواد، وإذا وضعنا في الاعتبار، ميزانية التشغيل المحدودة، وميزات أحتاجها مثل القدرة على التصفح في الوضع الداكن أو الفاتح، ودعم الكتابة من اليمين إلى اليسار، وإضافة الخطوط العربية، وسهولة المحرر وتنوع أنواع الفقرات التي يمكن إضافتها، بالإضافة إلى جودة الأداء في محركات البحث بجانب تحديات التخصيص والتصميم، تصبح المهمة صعبة جدًا، عادةً الجميع يذهب مباشرة إلى الوردبريس وحلوله، ولكني لا أفضله أبدًا لاستخدامي الشخصي بصورة يومية.


في تجربتي، وصلت إلى أداة حتى الآن أراها جميلة في تجربة دعم الكتابة من اليمين إلى اليسار، ولكن في حالة تخصيص الثيمات التي تقدمها ستحتاج إلى فهم بسيط للكود التي تعمل به، بجانب أنها أضافت مؤخرًا ميزة تفعيل التعليقات والعضويات والنشرات البريدية باشتراك إضافي، أراها تستحق التجربة.

المهم، ما أكثر التطبيقات والمواقع التي تقدم حلولًا مدهشة، وما أقل دعمها للعربية، وحتى الحلول والابتكارات التي بُنيت بأيدٍ عربية، نادرة جدًا، وعادة تكون أكثر تكلفة ومحدودة حينما نقارنها بالأدوات الأخرى..

هناك أدوات ومواقع عربية أذكرها، تُحترم في هذا السياق، مثل مساق، هدهد، وكنتُ أتمنى لو أضيف إليهم محرر ثمانية الذي أعلنوا عنه بداية العام، ولم يظهر للنور حتى الآن.

ما السبب وراء هذا التجاهل لدعم العربية والكتابة من اليمين إلى اليسار؟

بدأتُ هذا التساؤل ولدي افتراضات، ولأفهم أكثر وأكتشف السبب، سألتُ perplexity، وطالعتُ إحصائيات مختلفة عن حجم الناطقين باللغة العربية والمحتوى العربي على الإنترنت مقارنة باللغات الأخرى، ومع صعوبة الوصول إلى أرقام واضحة، يمكنني أن أشاركك ما وصلت إليه..

اللغة

عدد الناطقين باللغة

نسبة حجم المحتوى على الإنترنت

العربية

274 - 420 مليون

0.6% - 3%

الإنجليزية

1.456 مليار

51%

الصينية المندرينية

1.14 مليار

1.3%

المصادر 1 2 3

رغم أن حجم الناطقين باللغة الصينية المندرينية يقارب حجم الناطقين باللغة الإنجليزية، إلا أنه لا مقارنة بينهما أبدًا في حجم المحتوى المتاح على الإنترنت، الإنجليزية تكتسح الجميع.

فضخامة حجم المتحدثين بلغة معينة، لا يعني ضرورة زيادة المحتوى وتوفير الأدوات باللغة التي تناسبهم، المعيار الذي يحكم بحسب فهمي الآن، هو حجم السوق، أي حجم المتحدثين باللغة المتواجدين رقميًا ولديهم احتياج كبير تجاه الأدوات والاستعداد لشرائها ودفع ثمنها، كلما كبرت هذه القاعدة من الجمهور، أجبرت السوق على التوجه إليها وتلبية احتياجاتها..

وهذا بالنسبة إلي، هو السبب المحوري الذي يعطل التطور في هذا الجانب، أكثر من 400 مليون ناطقًا بالعربية لا ينتجون سوى 3% من محتوى الإنترنت، فجوة ضخمة، أسبابها حتى هذه اللحظة قد تكون مفهومة، فليس لدينا أرقام واضحة حول حجم من لديهم وصول للإنترنت، وإن وصلوا للإنترنت، هل لديهم الوعي تجاهه؟ وإذا بلغوا قدرًا من الوعي لفهمه والتعامل معه، فهل سينتجوا المحتوى؟ وإذا بدأوا في إنتاج المحتوى، هل سيستمرون؟ أمامنا رحلة طويلة..

وإذا تجاهلنا حجم السوق، فما الذي يجعل خاصية الكتابة من اليمين إلى اليسار ليست بديهية ومضافة تلقائيا في العديد من التطبيقات؟
السبب ببساطة في التحديات التقنية، فمثلا هناك مجهود إضافي كبير قد يرهق ويشتت فريق التطوير دون جدوى، كما لا يوجد اتفاق أو معايير موحدة بعد لدى الجميع لدعم الكتابة والتصميم من اليمين إلى اليسار وعملها في جميع المتصفحات..

في النهاية مهما زادت هذه المشاكل والتحديات، إذا كبر حجم سوقنا وازداد الوعي، ستنتهي هذه المعاناة، وسنستمتع دائمًا بالكتابة العربية في أي مكان، وأنا بشكل شخصي أرجو أن يكون يومًا قريبًا.